كيف يقدّم المتحف المصري الكبير تجربة تفاعلية حديثة للزوار من الداخل؟

كيف يقدّم المتحف المصري الكبير تجربة تفاعلية حديثة للزوار من الداخل؟
لم يعد المتحف المصري الكبير مجرد مبنى يعرض قطعاً أثرية، بل أصبح نموذجاً جديداً لما يمكن أن تكون عليه المتاحف في القرن الحادي والعشرين. فالتجربة داخله لا تعتمد فقط على المشاهدة، بل على التفاعل، والانغماس، والتعلّم، واستخدام التكنولوجيا بهدف إعادة الحياة إلى التاريخ بدلاً من وضعه خلف الزجاج في صمت.
ما يميز المتحف ليس ثراء مقتنياته فحسب، بل طريقة تقديمها، إذ يضع الزائر في قلب المشهد الفرعوني عبر تقنيات حديثة، وتجربة مدروسة، ومسار بصري ينقل الماضي إلى الحاضر.
تجربة دخول تبدأ قبل العرض نفسه
من اللحظة الأولى التي يدخل فيها الزائر إلى البهو الملكي، يدرك أنه لا يدخل متحفاً تقليدياً. تمثال رمسيس الثاني الضخم يستقبل الزوار في قاعة يعلوها سقف زجاجي يسمح بدخول الضوء الطبيعي، ما يخلق انطباعاً بصرياً يشبه دخول معبد فرعوني حديث.
قاعة المدخل ليست مساحة عبور، بل جزء من التجربة: تماثيل ملكية، نقوش، ومسار بصري تمهيدي يأخذ الزائر في رحلة زمنية تصاعدية قبل دخول صالات العرض.
قاعات عرض مبنية على السرد لا التخزين
اعتمد المتحف في تصميمه على أسلوب “السرد المتحفي” وليس “التجميع المتحفي”.
أي أن القطع ليست معروضة بشكل عشوائي أو رصيفي، ولكن ضمن سياق محكيّ:
-
قاعة الحياة اليومية
-
قاعة المعتقدات والجنائز
-
قاعة الملوك والحكم
-
قاعة الحِرف والفنون
-
قاعة الحرب والعربات
كل قاعة تُقرأ مثل فصل من كتاب، وتدعمها شاشات تفاعلية، وخرائط ضوئية، ومحتوى صوتي متعدد اللغات.
تجربة توت عنخ آمون: أول عرض كامل من نوعه
أحد أهم مظاهر التفاعل داخل المتحف هو التجربة الخاصة بالملك توت عنخ آمون، المعروضة للمرة الأولى كاملة منذ اكتشاف المقبرة قبل أكثر من 100 عام.
وليس العرض مجرد وضع القطع في خزائن، بل تم تصميمه بأسلوب غرفة زمنية، يدخلها الزائر ليجد نفسه في عالم الملك الصغير:
-
عرباته الحربية
-
أدوات الحياة اليومية
-
القناع الذهبي
-
أسلحته
-
العرش والتماثيل والبرديات
كل قطعة مدعومة بشاشة رقمية تتيح تكبير التفاصيل، قراءة تفسيرات علمية، ورؤية إعادة الترميم قبل وبعد.
تكنولوجيا الواقع المعزز والوسائط التفاعلية
من أقوى أدوات التجربة الحديثة في المتحف استخدام تقنية AR – الواقع المعزز، حيث يمكن للزائر رؤية شكل القطعة في زمنها الأصلي عبر تطبيق أو شاشة.
فمثلاً:
-
مومياء تظهر على هيئة الملك قبل تحنيطه
-
معبد مصغر يُعرض ثم يتحول إلى حجمه الحقيقي بصرياً
-
تمثال مكسور يعود كاملاً أمام الزائر بطريقة رقمية
هذه التقنية تحوّل الأثر من “قطعة صامتة” إلى “وثيقة حيّة”.
قاعات الترميم الزجاجية: المتحف الذي يكشف ما يحدث خلف الكواليس
إحدى الأفكار الجريئة في المتحف هي جعل الزائر يرى عملية الترميم أثناء حدوثها.
توجد قاعات زجاجية مخصّصة للترميم، يمكن للزائر من خلالها مشاهدة فريق من الأثريين والمرممين وهم يصلحون قطعة عمرها ثلاثة آلاف عام.
هذه الخطوة تجعل من المتحف مركز إنتاج للمعرفة، لا مجرد مكان لعرضها.
تجربة صوتية وبصرية متعددة اللغات
خدمة الجولة الصوتية لا تعتمد على أجهزة قديمة، بل على تطبيقات ذكية وخرائط داخلية، تسمح للزائر بالتنقل بحرية داخل المتحف مع الشرح التلقائي عند الوقوف أمام أي قطعة.
✅ 14 لغة
✅ محتوى صوتي + نصّي + فيديو
✅ مناسب للأطفال، والطلاب، وأصحاب الاحتياجات الخاصة
متجر، مسرح، مطاعم… المتحف كمنطقة حياة لا مكان زيارة
بعد نهاية الجولة، لا يخرج الزائر مباشرة، بل ينتقل إلى منطقة خدمات متكاملة تضم:
-
متجر هدايا بنسخ أثرية مرخّصة
-
مقهى ومطاعم مطلّة على الأهرامات
-
مساحات للفعاليات والعروض
-
سينما ومسرح ثقافي مخصّص للأفلام الوثائقية والعروض التعليمية
بهذا يتحول المتحف من “تجربة شاهد وانصرف” إلى “تجربة امكث وتفاعل وتعلّم”.
المتحف نموذج جديد لزيارة الأثر لا لعرضه
التجربة داخل المتحف المصري الكبير تقوم على 4 مفاهيم أساسية:
| المفهوم | التطبيق داخل المتحف |
|---|---|
| التفاعل | شاشات – واقع معزز – شرح صوتي – لمس بصري |
| الانغماس | سرد قصصي – مسار زمني – إضاءة موجهة – تصميم معماري |
| التعليم | قاعات دراسة – مواد رقمية – مشاهدة الترميم – محتوى علمي |
| الدمج الحضاري | توحيد الماضي بالحاضر عبر تقنية ورؤية متحفية معاصرة |
بهذه المنهجية، لا يخرج الزائر حاملاً معلومات فقط، بل حاملاً ذاكرة وتجربة.
الخلاصة
التجربة داخل المتحف المصري الكبير ليست مصممة لعرض آثار، بل لإحياء علاقة الإنسان بها.
الزائر لا يرى القطعة فقط، بل يرى قصتها، زمنها، صناعتها، وظيفتها، وكيف وصلت إليه بعد آلاف السنين.
إنه ليس متحفاً يخبرك “هذا ما كان”، بل متحف يقول لك “هكذا عاشوا، فافهم كيف وصلنا إلى هنا”.
وهو ما يجعل التجربة داخله نموذجاً عالمياً يعيد تعريف معنى المتحف:
من مخزن للتاريخ… إلى منصة للتفاعل الحضاري.




