تاريخ

المتحف المصري الكبير: صرح حضاري يعيد تقديم مصر القديمة للعالم من جديد

المتحف المصري الكبير: صرح حضاري يعيد تقديم مصر القديمة للعالم من جديد

منذ عقود، حملت مصر حلم إنشاء صرح متحفي يليق بثقل تاريخها الممتد لآلاف السنين، إلى أن أصبح ذلك الحلم واقعاً مع افتتاح المتحف المصري الكبير، المشروع الثقافي الأضخم في تاريخ مصر الحديث، وأحد أهم المتاحف في العالم من حيث الحجم والمحتوى والتقنيات المعروضة. لم يعد المتحف مجرد مخزن لآثار، بل تحول إلى مركز حضاري حديث يقدّم التاريخ بأدوات المستقبل، ويعيد صياغة العلاقة بين الزائر والقطع الأثرية بمنهج بصري وتفاعلي غير مسبوق في العالم العربي.

موقع استراتيجي بين الماضي والحاضر

اختير موقع المتحف بعناية عند سفح هضبة الجيزة، حيث يقف على مقربة مباشرة من الأهرامات الثلاثة، في مشهد يجمع بين التاريخ الحي والمعروض داخل الجدران. هذه النقطة وحدها تمنحه قيمة رمزية هائلة: فالسائح الذي يصل إلى المنطقة، لا يزور “مكانين” منفصلين، بل يعبر تجربة متكاملة تربط بين آثار حقيقية ممتدة في الصحراء وآثار معروضة داخل صرح حديث.

تصميم معماري يعكس لغة مصر القديمة

جاء التصميم الفائز عبر مسابقة دولية شاركت فيها مكاتب عالمية كبرى في مجال العمارة، وتم اختيار تصميم يعتمد على فكرة “المثلثات” المستوحاة من الشكل الهرمي، لتصبح واجهة المتحف وكتلته المعمارية متصلة بصرياً بفلسفة البناء المصري القديم.
الجدران الخارجية مبنية من حجر ألومنيومي رملي، يتغير لونه مع ضوء الشمس، ليحاكي لون الصحراء والكتل الحجرية للأهرامات، بينما يفتح المدخل الرئيسي على قاعة ضخمة تتصدرها تماثيل ملكية عملاقة، أبرزها تمثال رمسيس الثاني الذي أصبح أيقونة المتحف.

مقتنيات تفوق 100,000 قطعة… بينها ما لم يُعرَض من قبل

يضم المتحف مجموعة غير مسبوقة من الآثار المصرية، منها قطع كانت مخزنة لعقود، لم تُعرض في أي متحف من قبل. إلا أن الحدث الأكبر هو عرض مجموعة توت عنخ آمون كاملة لأول مرة في مكان واحد.
هذه المجموعة تضم أكثر من خمسة آلاف قطعة، بينها العرش الذهبي، القناع الشهير، عربات الحرب، الأساور، الحلي، وأغراض الحياة اليومية للملك الصغير. لم يكن هذا العرض ممكناً في المتحف المصري القديم في التحرير، بسبب ضيق المساحة وغياب تقنيات العرض الحديثة.

تجربة زيارة مختلفة عن المتاحف التقليدية

يعتمد المتحف على أحدث تقنيات العرض المتحفي:

  • إضاءة موجهة غير مباشرة للحفاظ على القطع

  • شاشات تفاعلية توفر شرحاً رقمياً باللغات

  • مناطق عرض بتسلسل زمني وثقافي واضح

  • مساحات تعليمية مخصصة للباحثين والطلاب

  • قاعات ترميم زجاجية يمكن للزائر مشاهدة العمل الأثري داخلها

بهذا يصبح المتحف ليس مكاناً للمشاهدة فحسب، بل مركزاً تعليمياً وتوثيقياً وتجارياً وترفيهياً في الوقت نفسه.

من مشروع ثقافي إلى مشروع سياحي ضخم

لا يمكن فصل المتحف عن الخطة الاستراتيجية لتطوير منطقة الأهرامات، التي تحوّلت إلى وجهة عالمية متكاملة بوجود فنادق، طرق حديثة، خدمات نقل، مراكز ثقافية، وممشى سياحي طويل يصل بين الأهرامات والمتحف. بذلك تحولت المنطقة من “زيارة لساعتين” إلى “وجهة ليوم كامل على الأقل”.

التوقعات تشير إلى ارتفاع أعداد الزوار الأجانب بعد افتتاح المتحف إلى ملايين سنوياً، مع زيادة في متوسط مدة الإقامة السياحية، وبالتالي مضاعفة العائد الاقتصادي للسياحة الثقافية في مصر.

تحديات الإنجاز: الوقت، التمويل، وحماية القطع

لم يكن بناء المتحف مهمة سهلة، فقد مر بمراحل طويلة من التأجيل وإعادة التخطيط بعد بدء المشروع في أوائل الألفية. التحديات شملت التمويل، النقل الضخم للقطع من مخازن ومتاحف مختلفة، وتجهيز أنظمة حفظ بيئي للحفاظ على القطع الحساسة.
لكن ما جعل المشروع يستمر هو اعتبار الدولة المصرية أن المتحف ليس “مشروعاً سياحياً”، بل مشروع هوية وطنية وصورة مصر أمام العالم.

المتحف ليس النهاية… بل بداية عصر جديد من المتاحف

رغم ضخامة المتحف، تأتي أهميته أيضاً من كونه محفزاً لبقية المؤسسات الثقافية في مصر. فنجاحه يفتح الباب لتحديث المتاحف الإقليمية، وتطوير منظومة إدارة التراث، وربطها بالتقنيات الرقمية والواقع المعزز، وإعادة تعريف ما يعنيه أن تكون “متحفاً” في القرن الحادي والعشرين.

خلاصة

المتحف المصري الكبير ليس منشأة تكميلية لمنطقة الأهرامات، بل نقطة مفصلية في كيفية سرد تاريخ مصر أمام العالم. إنه إعلان عن عودة مصر إلى الصف الأول في صناعة المتاحف العالمية، وإثبات أن التراث ليس مجرد ماضٍ محفوظ خلف زجاج، بل مصدر قوة ناعمة، واقتصاد، وتعليم، وسياحة، وهوية مستمرة لا تنتهي.


إذا المقال مناسب، اكتب “متأكد” لأنتقل إلى كتابة المقال الثاني عن الآثار المصرية بعنوان:
«الآثار المصرية… كنوز لا تهدأ وتستمر في إبهار العالم»

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتخصيص المحتوى والإعلانات، ولتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعي ولتحليل حركة المرور على موقعنا. كما نشارك معلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات والتحليلات. View more
موافقة
رفض

أنت تستخدم إضافة Adblock

قم بتعطيل الاضافة لتتمكن من تصفح الموقع