رحلة الزائر في المتحف المصري الكبير: من لحظة الوصول حتى نهاية الزيارة

رحلة الزائر في المتحف المصري الكبير: من لحظة الوصول حتى نهاية الزيارة
أصبح المتحف المصري الكبير واحداً من أبرز الوجهات الثقافية الجديدة في العالم، ليس فقط بسبب حجم مقتنياته أو قربه من الأهرامات، بل لأنه يقدّم نموذجاً حديثاً لتجربة الزيارة المتحفية، حيث يجري تصميم رحلة الزائر بشكل متكامل يبدأ قبل دخول المبنى، ويمتد إلى ما بعد انتهاء الجولة الداخلية. وبذلك يتحوّل المتحف من “مكان للعرض” إلى “بيئة زيارة كاملة”، تجمع بين الثقافة والخدمات والضيافة والتفاعل البصري في موقع واحد.
الوصول: تنظيم حديث وتجربة دخول بلا ازدحام
يقع المتحف عند مدخل هضبة الجيزة، في منطقة مفتوحة تتسع لحركة الزوار والحافلات السياحية دون اختناق مروري. ويعتمد نظام الدخول على الحجز الإلكتروني، ما يقلل زمن الانتظار ويمنح الزائر حرية اختيار مواعيد الزيارة ومحتوى الجولة.
تتوزع نقاط الاستقبال والتذاكر على أكثر من مسار، أحدها مخصص للمجموعات السياحية، والثاني للزوار الأفراد، وثالث للطلاب والباحثين، إلى جانب مسار مستقل لذوي الاحتياجات الخاصة.
المنطقة المحيطة نفسها جزء من التجربة؛ إذ تتوفر مسارات مشاة مظللة، ولوحات إرشادية متعددة اللغات، ونقاط تعريف مرئية تجعل الزائر يتعرّف على المتحف قبل دخوله، فيمهد ذهنه للتجربة المتحفية قبل رؤية أول قطعة أثرية.
البهو الملكي: مدخل يحاكي تأثير الحضارة
يفتتح الزائر جولته عبر البهو الملكي، وهو مساحة بارتفاع أربعة طوابق تتصدرها تماثيل فرعونية ضخمة أبرزها تمثال رمسيس الثاني، بما يخلق انطباعاً بصرياً يضع الزمن القديم في سياق معماري حديث.
لا يمثّل البهو مجرد مدخل عبور، بل منطقة تمهيدية تتضمّن محتوى بصري ترويجي، ولقطات بانورامية تسمح بالتقاط الصور، وتمنح المتحف حضوراً احتفالياً يشبه قاعات الاستقبال الملكية في المعابد القديمة.
مسار الزيارة: عرض مبني على السرد لا التخزين
يعتمد المتحف على أسلوب تقديم جديد للآثار، يقوم على الانتقال السردي عبر الزمن، وليس تصنيف القطع فقط حسب نوعها.
تبدأ الجولة من عصر البدايات، ثم الحياة اليومية، ثم المعتقدات والطقوس، مروراً بعمارة وفنون الدولة القديمة والوسطى والحديثة، وصولاً إلى قاعات الملوك والمومياوات والعربات الجنائزية.
هذا التصميم يجعل المعروضات أشبه بقصّة متصلة، تسمح للزائر بفهم الحضارة المصرية كحياة كاملة، لا مجرد تماثيل أو قطع منفصلة.
التقنية داخل قاعات العرض
تختلف قاعات المتحف عن المتاحف التقليدية بفضل تقنيات تفاعلية تُستخدم في:
-
عرض القطع عبر شاشات ثلاثية الأبعاد
-
توفير شروح صوتية متعددة اللغات عبر تطبيق ذكي أو سماعات
-
توثيق مراحل الترميم قبل وبعد
-
محاكاة شكل القطع في زمنها الأصلي باستخدام الواقع المعزز
وبهذا لا يبقى الزائر متلقياً، بل مشاركاً في عملية قراءة القطعة الأثرية.
مجموعة توت عنخ آمون: التجربة الأكثر جذباً
تعد قاعة توت عنخ آمون أحد أهم عناصر التجربة داخل المتحف، حيث تُعرض مقتنيات الملك كاملة للمرة الأولى في مكان واحد، تضم أكثر من خمسة آلاف قطعة تشمل القناع الذهبي، الأسلحة، العرش، الحلي، الأواني، والأدوات الشخصية.
جميع القطع موضوعة ضمن قاعات بدرجة إضاءة ثابتة، مع شاشات توضيحية تشرح تفاصيل المواد، والتقنيات، والطقوس المرتبطة بالجنازة الملكية.
قاعات الترميم والنشاط العلمي
يتميّز المتحف بوجود معامل ترميم وقاعات بحثية ذات جدران زجاجية، تتيح للزوار مشاهدة عملية إنقاذ القطع الأثرية مباشرة أثناء عمل المتخصصين.
هذا النموذج يحوّل المتحف إلى مؤسسة بحثية مفتوحة، لا مكان للعرض فقط، ويمنح الزائر طبقة معرفية إضافية حول علم الآثار بدل الاكتفاء بالنتيجة النهائية فقط.
خدمات ما بعد الجولة: استكمال التجربة خارج قاعات العرض
لا ينتهي مسار الزيارة بخروج الزائر من صالة الآثار، بل يمتد إلى منطقة متكاملة تضم:
| خدمة | الغرض |
|---|---|
| متجر هدايا معتمد | بيع نسخ طبق الأصل مرخّصة من وزارة الآثار |
| مطاعم ومقاهي | إطلالة مباشرة على الأهرامات |
| مركز سينمائي | عروض وثائقية عن مصر القديمة |
| ساحة خارجية | جلسات تصوير وممشى بانورامي |
| مناطق لعب وتعليم مخصصة للأطفال | تشجيع الزيارة العائلية |
وبذلك تتحوّل الزيارة من “ساعة ونصف” إلى “3 – 5 ساعات” في المتوسط، ما يعزّز الاقتصاد المرتبط بالسياحة الثقافية.
لماذا تختلف تجربة زيارة المتحف عن أي متحف آخر؟
لأن التصميم لم يبدأ من سؤال: “كيف نعرض الأثر؟” بل من سؤال أوسع:
“كيف يعيش الزائر الأثر؟”
وتقوم التجربة على ثلاثة عناصر مترابطة:
-
الإبهار البصري: تصميم معماري واسع وإضاءة متحكم بها
-
السرد المعرفي: ربط القطع بسياقات حضارية لا بعرض منفصل
-
التفاعل التقني: محتوى رقمي يرفع مستوى الفهم لا مستوى المشاهدة فقط
الخلاصة
المتحف المصري الكبير ليس توسعة لمتحف قديم، بل نموذج جديد للعرض المتحفي في الشرق الأوسط، يعتمد على تقديم التاريخ بوصفه تجربة معاشة لا مادة معروضة.
والنتيجة ليست زيارة تقليدية، بل رحلة حسية وبصرية وتفاعلية، تُعيد بناء العلاقة بين الزائر والحضارة المصرية في زمن جديد.




